الأسطح الخضراء: ما هي وكيف بدأت؟

green roof

عند متابعة الأخبار اليومية، تتردد الى مسامعنا الأنباء عن بناء الكباري الجديدة والتجمعات العمرانية الجديدة، وذلك كله على حساب المساحات الخضراء. وذلك بالطبع يمثل مشكلة كبيرة لمدينة مكتظة بالسكان مثل مدينة القاهرة.

ومع زيادة الرقعة العمرانية، تتضح الرؤية أكثر بخصوص حقيقة ان المباني تغير من الواقع الايكولوجي، ويبدو أن الحل الوحيد يتمثل في العمل على الأسطح الخارجية للمباني. ومن احدى تلك الحلول بجانب الجدران الخضراء، الأسطح الخضراء، أو حدائق الأسطح.

 

ما هي حدائق الأسطح ومتى بدأت؟

لحدائق الأسطح، وهي النسخة القديمة للأسطح الخضراء المعروفة في عالمنا المعاصر، جذور قديمة. حيث كانت أقدم حدائق الأسطح عرفها العالم القديم هي حدائق سميراميس المعلقة والموجودة حاليًا في سوريا، والتي تعتبر واحدة من عجائب الدنيا السبع. وفي عالمن المعاصر، تم تصميم مشاريع الأسطح الخضراء للفنادق رفيعة المستوى ومراكز الأعمال والمنازل. هذه الأسطح الخضراء، المعروفة بركائزها العميقة ومجموعة متنوعة من المزروعات مثل حدائق الأسطح القديمة، حيث أن لها مظهر الحدائق التقليدية الموجودة على مستوى الأرض. تتطلب حدائق الأسطح عادةً تكاليف كبيرة في رعاية النباتات. علاوة على ذلك، تحتوي عمومًا على تربة ضحلة جدًا.

وعلى العكس من ذلك، فإن الأسطح الخضراء، تتطلب صيانة وجهد أقل، وتتمتع ببنية تحتية لمواجهة الظروف المناخية المختلفة لإدارتها بشكل مستدام.

وبدأ ظهور الأسطح الخضراء بشكلها الحديث في مطلع القرن العشرين في ألمانيا، حيث تم تثبيت الغطاء النباتي على الأسطح للتخفيف من الآثار الضارة للإشعاع الشمسي على هيكل السقف. وانتشرت تقنية الأسطح الخضراء بسرعة بسبب فوائدها البيئية واسعة النطاق.

 

الفوائد البيئية للأسطح الخضراء

تندرج فوائد الأسطح الخضراء في ثلاث فئات رئيسية: التعامل مع مياه الأمطار، والحفاظ على الطاقة، والحفاظ على المساحات الخضراء، ومواجهة تلوث الهواء.

1- التعامل مع مياه الأمطار

تهيمن على المناطق الحضرية الأسطح الصلبة غير المسامية التي تساهم في تسرب مياه الأمطار الى البنية التحتية، والذي يمكن أن يثقل من كاهل مرافق إدارة مياه الأمطار ويتسبب في فيضان مياه الصرف الصحي في البحيرات والأنهار. بالإضافة إلى تفاقم الفيضانات والتعرية والترسبات، فإن جريان مياه الأمطار الى المناطق الحضرية مرتفع أيضًا في الملوثات مثل مخلفات البترول، التي تضر موائل الحياة البرية وتلوث إمدادات الشرب.

تشمل الأساليب التقليدية لإدارة مياه الأمطار خزانات التخزين والبرك والأراضي الرطبة المبنية والمرشحات الرملية؛ ومع ذلك، قد يكون من الصعب تنفيذ هذه التقنيات ذات المساحة السطحية المكثفة في المراكز الحضرية الكثيفة. وعليه، تعتبر الأسطح الخضراء مثالية لإدارة مياه الأمطار في المناطق الحضرية لأنها تستفيد من مساحات السطح وتمنع الجريان السطحي للمياه قبل أن تغادر المنطقة.

ووفقًا لورقة بحثية تم نشرها في 2005، فإن الأسطح الخضراء يمكن أن تقلل من إجمالي الجريان السطحي للمياه في السنة للمباني بنسبة تصل إلى 60٪ إلى 79٪، وتشير التقديرات المستندة إلى 10٪ من تغطية الأسطح الخضراء إلى أنها يمكن أن تقلل الجريان السطحي الإجمالي على مستوى إقليم كامل بنحو 2.7٪.

 

2- إطالة عمر السطح

تتدهور أغشية العزل المائي الموجودة على الأسطح التقليدية بسرعة في ضوء الأشعة فوق البنفسجية، مما يؤدي إلى هشاشة الأغشية. وبالتالي، فإن هذه الأغشية تتضرر بسهولة أكبر بسبب التمدد والانكماش الناجمين عن درجات حرارة السقف المتذبذبة على المدى الزمني البعيد. ولكن من خلال الحماية المادية من الأشعة فوق البنفسجية وتقليل تقلبات درجات الحرارة، حيث تعمل الأسطح الخضراء على إطالة العمر الافتراضي لغشاء العزل المائي للسقف وتحسين إمكانيات الحفاظ على طاقة المبنى. قد يؤدي تثبيت درجة حرارة أغشية العزل المائي عن طريق تغطية الأسطح الخضراء إلى إطالة عمرها الإنتاجي لأكثر من 20 عامًا؛ وكذلك في دراسة لأريتش بورش ومانفريد كوهلر في 2003، اكتشفا ان بعض الاسطح الخضراء قد استمرت في برلين لمدة 90 عامًا دون الحاجة إلى إصلاحات.

في أوتاوا في كندا، أظهرت دراسة أخرى أن السقف غير المزروع وصل إلى درجات حرارة أعلى من 70 درجة مئوية (درجة مئوية) في الصيف، بينما وصلت درجة حرارة سطح السقف الأخضر فقط إلى 30 درجة مئوية.

 

3- تبريد حرارة المبنى في فصل الصيف

أثناء الطقس الدافئ، تقلل الأسطح الخضراء من كمية الحرارة التي تمر من السقف، وبالتالي تقلل من متطلبات الطاقة لنظام تبريد المبنى. أظهرت دراسة تم اجراؤها في مدريد أن السقف الأخضر قلل من حِمل التبريد في مبنى سكني مكون من ثمانية طوابق بنسبة 6٪ خلال فصل الصيف. وكذلك تم تقليل حمل التبريد بنسبة 10٪ للمبنى بأكمله وبنسبة 25٪ و9٪ و 2٪ و 1٪ للطوابق الأربعة الموجودة أسفل السطح الأخضر مباشرة.

سيكون للأسطح الخضراء التأثير الأكبر على استهلاك الطاقة للمباني ذات النسب العالية نسبيًا من مساحة السقف إلى الجدار.

في الصيف، تقلل الأسطح الخضراء من تدفق الحرارة عبر السقف من خلال تعزيز التبخر، وتظليل السقف فعليًا، وزيادة العزل والكتلة الحرارية.

4- الحفاظ على المساحات الخضراء والمنظر الجمالي المريح للعين

عندما ينظر البشر إلى النباتات الخضراء والمناظر الطبيعية، فإن لها آثارًا صحية مفيدة، مثل تقليل الإجهاد، وخفض معدل ضغط الدم، وترخية التشنجات العضلية، وزيادة المشاعر الإيجابية. وبالطبع هذه الفوائد في النهاية تؤدي إلى تحسين الصحة وإنتاجية العمال. حيث أن الموظفين الذين لديهم إطلالة على الطبيعة، مثل الأشجار والزهور، كانوا أقل إجهادًا، وشعروا برضا وظيفي أكبر، وأبلغوا عن حالات صداع وأمراض أخرى أقل من أولئك الذين لا يتعرضون الى مناظر خضراء وطبيعية. وكذلك المرضى يواجهون تعافيًا أسرع من الجراحة عندما يتم وضعهم امام مناظر طبيعية. لا يقتصر الأمر على كون المناطق الخضراء المحيطة مبهجة من الناحية الجمالية، ولكن يمكن لأصحاب الأراضي في كثير من الأحيان زيادة معدلات الإيجار ويمكن للفنادق أن تفرض رسومًا أكثر على “غرفة ذات إطلالة” مقارنة بالمناظر الأخرى القاحلة.

 

5- مكافحة تلوث الهواء

يمكن للنباتات تصفية الجسيمات والملوثات الموجودة في الهواء. ففي نهاية المطاف ستُجرف الجسيمات بعيدًا في التربة عن طريق حركة مياه الأمطار، وسيتم امتصاص بعض الملوثات في أنسجة النبات. وجد يوك تان وسيا في ورقتهم المنشورة في 2005 انخفاضًا بنسبة 37 ٪ و 21 ٪ في ثاني أكسيد الكبريت وحمض النيتروز على التوالي فوق سطح أخضر تم تركيبه حديثًا. قدّر آخرون أن الأسطح الخضراء يمكنها إزالة جزيئات الغبار بمقدار 0.2 كجم من الجسيمات سنويًا لكل متر مربع من سقف العشب.

تشمل الآثار الصحية الضارة لتلوث الهواء الجزيئي زيادة مشاكل الجهاز التنفسي، وانخفاض وظائف الرئة، وزيادة دخول المستشفى وزيارات الرعاية الصحية الأخرى لأمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية. كما أن زيادة معدلات الاعتلال التنفسي، التي يتم قياسها من خلال التغيب عن العمل أو المدرسة أو القيود الأخرى على النشاط، وزيادة معدل الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والرئة ناتجة أيضًا عن تلوث الهواء.

وبالنسبة لمدينة مثل القاهرة، فإن القاهرة تعد أكثر مدن العالم تلوثًا، فوفقًا لتقرير إيكو إكسبرتس. تصنف قاعدة البيانات العالمية لجودة الهواء التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي تركز على مقاييس جودة الهواء ، القاهرة في المرتبة الثانية بالنسبة إلى PM10 ، أو الجسيمات التي يبلغ قطرها 10 ميكرومتر أو أقل. عند الحكم من خلال PM2.5، أو الجسيمات التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرومتر أو أقل. بالطبع القاهرة ليست على درجة عالية جدًا من السوء فيما يخص تلوث الهواء، لكنها قريبة جدًا من القاع.

6- مواجهة الضوضاء

من المرجح أن تعكس الأسطح الصلبة في المناطق الحضرية الصوت، بينما تمتص الأسطح الخضراء الموجات الصوتية بسبب طبيعة الغطاء النباتي. ففي مطار فرانكفورت بألمانيا على سبيل المثال، أوضح دونيت وكينجسبيري في ورقتهما أن السقف الأخضر الذي يبلغ عمقه 10 سم أدى إلى خفض مستويات الضوضاء بمقدار 5 ديسيبل. تظهر أبحاث أخرى أن 12 سم من ركيزة السقف الأخضر وحدها يمكن أن تقلل الضوضاء بمقدار 40 ديسيبل.

 

الخلاصة

لا تقتصر فوائد الأسطح الخضراء على الفوائد البيئية فحسب، بل لها فوائد اقتصادية كذلك تتمثل في خفض مستوى الطاقة، ورفع القيمة السوقية للعقارات المطلة على المناظر الخضراء. لكننا هنا بصدد ان نضيف واقع جديد الى المدن العربية، وبشكل خاص مدينة القاهرة التي تعاني من مستويات عالية من التلوث الضوضائي، والتلوث الهوائي. فهل انت مستعد للعمل معنا؟

مقالات ذات صلة